عندما نريد التحدث عن الخصوصية والأمان فنحن نتحدث عن المتصفح العملاق Tor، وهو اختصاراً للعبارة The Onion Router وكترجمة تعني إعادة التوجيه البصلي، وتم استعمال كلمة البصل هنا للدلالة على كثرة طبقات الحماية والتشفير مثل البصلة التي تحتوي على عدة طبقات تحيط بلب البصلة، حيث سوف تحيط هنا عدة طبقات من الحماية والتشفير بحزم اتصال المستخدم بالإنترنت، تم تطوير Tor بالأساس من قبل البحرية الأمريكية لحماية اتصالات الحكومة الأمريكية خلال ممارستها لمهامها، لتصبح الآن منظمة غير ربحية لتعزيز الخصوصية على الإنترنت من قبل آلاف المتطوعين حول العالم، Tor مبني على Firefox المشابه للمتصفح Mozila.
إن أكثر الشائعات والأكاذيب المتداولة حول المتصفح Tor أنه موجه لتصفح الويب العميق (Deep Web) و الويب المظلم (Dark Web)، حيث كثيراً ما نجد بعض الفيديوهات التافهة في اليوتيوب (واااااااو ما رح تصدق تجربتي مع الدارك ويب – كانو رح يقتلوني في الدارك ويب) مع إضافة صورة وجوه مرعب، وذلك في سبيل الحصول على عشرات الآلاف من المشاهدات.
صحيح أنه ينتشر في الويب المظلم كل ما هو محظور من مواقع لبيع المخدرات والمخدرات الفاخرة بمختلف أنواعها، وبيع الأسلحة الخفيفة والثقيلة، والتجارة بالأعضاء والتجارة بالأطفال والتجارة بالبشر، وجنس الأطفال، والسلع الفاخرة المقلدة، وبطاقات الائتمان المسروقة، وتزوير الأموال والمستندات، والحصول على جوازات سفر والبطاقات الشخصية ورخصة القيادة لكل دول العالم، وغسيل الأموال، إضافة إلى القتلة المأجورون، والهاكرز المأجورون، وكل الأنشطة الغير قانونية، إن جميع ما تم ذكره هو صحيح،
هذا النوع من المواقع انتشرت في الفترة 2009 – 2013 بشكل كبير نوعاً ما ولكن في يومنا هذا غالباً ما تتمكن وحدات تنفيذ القانون من إغلاق هذا النوع من المواقع بعد فترة زمنية، ولكن في يومنا هذا هذه المواقع أصبحت ناااااادرة جداً وتكاد لا توجد، وإذا وجدت يجب إجراء عمليات بحث طويلة جداً للوصول إليها (باستثناء مواقع بيع المخدرات والسلع المقلدة)، لذلك ذلك النوع من الفيديوهات الرخيصة والمغالطة هدفها فقط التضليل وجمع المشاهدات والاشتراكات.
ولكن الويب العميق لم يتم تصميمه لهذه الأغراض، ولكن جميع من تم ذكرهم استغلوا خدمات Tor التي تمكنهم من التخفي عن أعين الحكومات والأجهزة القانونية ليمارسوا أنشطتهم بكل سريّة هناك، ولكن Tor كان موجهاً بالأساس لإخفاء الهوية عبر الإنترنت وإضافة المزيد الخصوصية، ومنع الرقابة والتجسس من قبل الحكومات، ومزودي الإنترنت، وشركات الإعلانات وخوادمها كـ Google adsense وAcxiom وشركائهم من تتبع وتعقب مستخدميها وتحليل أنشطتهم، والمخترقين، وغيرهم الكثير.
ووفق دراسة أجراها باحثون من جامعة فيرجينا للتقنية وكلية سكيدمور في نيويورك ، أظهرت أن 93% من المستخدمين يستعملون Tor لتصفح المواقع السطحية (الأنترنت العادية) التي يمكن تصفحها بالمتصفحات العادية وذلك من أجل حماية خصوصيتهم وحماية هويتهم، و 7% فقط من يستعملون Tor لغرض تصفح الويب العميق والويب المظلم، إذاً Tor ليس فقط للمستخدمين سيئي السمعة أو لزيارة الويب المظلم أو للقيام بأنشطة إجرامية كما يشاع عنه.
إضافة إلى ذلك فإن متصفح Tor لا يخفي الهوية ويضيف الكثير من الخصوصية فقط، بل يساعد أيضاً على تجاوز الرقابة وزيارة المواقع المحظورة في بلد معين، فهو بالتالي يحظى بشعبيّة كبيرة لدى الصحفيين والناشطين والعاملين في مجال حقوق الإنسان والمبلغين عن المخالفات، وخاصة أولئك الذين يعيشون أو يعملون في البلدان التي تفرض قيود على الإنترنت.
إن Tor لا يعني VPN، ومبدأ عمل كل منهما بعيد عن الآخر كل البعد، بالرغم أن كلّ منهما يوفر الحماية والخصوصية للمستخدمين، ولكن لكل منهما طريقته الخاصة في العمل والتشفير بعيدة كل البعد عن الآخر، ولكل منهما عيوبه ومزاياه، إضافة إلى أن أغلب شركات الـ VPN يقدمون خدماتهم بمقابل مادي، بينما Tor مجاني تماماً وغير ربحي، كما ينصح العديد من الخبراء باستعمال كلاً من Tor و VPN للوصول إلى درجة مثالية من الحماية والخصوصية وإخفاء الهوية أثناء تصفح الإنترنت، وبالبقاء بعيداً عن أعين الحكومات وغيرهم.
تحذير:
إن باستعمالك لكل من Tor و VPN فهذا لا يعني أنك آمن تماماً ولا يمكن لأي جهة تعقبك أو تتبعك، حيث يمكن تتبع المجرمون ومن يقومن بأعمال مخالفة للقانون عبر الأنترنت، قد يكلف ذلك السلطات الكثير من المال والجهد والوقت، ولكن ذلك ليس بمستحيل.
ملاحظة:
تمكنت الصين بنجاح من حظر إمكانية الوصول إلى استعمال Tor داخل أراضيها، وذلك باستعمال ما يسمى GFW اختصاراً لـ Great Firewall of China أي الجدار الناري الصيني العظيم، لتتبعها بذلك كل من إيران وروسيا البيضاء، كما أرادت فرنسا القيام بذلك عقب هجمات باريس 2015، ولكن ظهرت تقنيات جديدة تمكن مستعملي تلك الدول من استعمال Tor عبر ما يسمى الجسور (Bridges).
تعليقات
إرسال تعليق